الدكتور محمود ربيع الشهاوى يكتب : أثر الأخلاق على الفرد والمجتمع
الحمد لله الذى شاءت إرادته أن يجعل الخير فى مكارم الأخلاق ، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل مكارم الأخلاق رزقا من الأرزاق ، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله القائل : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه حماة الأخلاق الطيبة وبعد….
فإن للأخلاق في الإسلام منزلة شريفة، ودرجة عالية ، يرتقي بها المسلم في درجات الإيمان، ويزداد في الإحسان، وما أثنى الله تعالى على عبد ممن خلق بمثل ما وصف به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:( وإنك لعلى خلق عظيم) وقال صلى الله عليه وسلم:« إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» والإسلام يدعو إلى البر، وقد فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«البر حسن الخلق».
وحسن الخلق هبة من الله تعالى لمن يحب، قال صلى الله عليه وسلم :« إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ».
والإسلام شعائر وأخلاق، فالشعائر تتجلى في الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها مما أمر الله تعالى به، ولا تستقيم الشعائر بدون حسن الخلق، فجميع الشعائر تثمر الأخلاق الفاضلة، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قال عز وجل:( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر), والزكاة تطهر الإنسان وتزكيه، قال سبحانه:( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها), والصيام يهذب النفس، قال صلى الله عليه وسلم :« من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه , والحج يرتقي بأخلاق الإنسان، قال تعالى:( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)
والعبادة مهما كثرت لا تغني عن حسن الخلق، فإن سوء الخلق يمحق ثواب الأعمال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« أتدرون ما المفلس؟ ». قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال:« إن المفلس من أمتي يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار».
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من حسن خلق المسلم أن لا يتكبر على عباد الله، أو يقطع رحمه، أو يسعى بين الناس بالنميمة والفساد، فإن كف الأذى عن الناس من حسن الأخلاق، قال صلى الله عليه وسلم:« المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
ولاكتساب الخلق الحسن أسباب، ومن أعظمها الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحسن الناس خلقا، وأرجحهم عقلا، وأزكاهم نفسا، فما من صفة من صفات الكمال البشري إلا وقد أودعها الله تعالى فيه، قال سبحانه:( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) ومنها صحبة الأخيار والصالحين، قال عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) .
ومنها مطالعة سير أهل الفضل والصلاح، وأرباب الخير والفلاح، ففي سيرتهم ما يعين على تمثل أخلاقهم، واتباع نهجهم، فاحرصوا عباد الله على أن تعلموا أولادكم سيرة الصحابة والتابعين. ومنها كثرة الضراعة والدعاء لله بأن يهديه لأحسن الأخلاق، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء استفتاح صلاته:« اللهم… اهدنى لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت».
وأكد الإسلام على أهمية الأخلاق ودورها في صلاح الفرد والمجتمع، وما لها من المكانة الرفيعة في الإسلام، ويتحدث القرآن في كثير من سوره وآياته عن الأخلاق وأنواعها وصفاتها، ودورها في تهذيب السلوك وتقويم النفس، وما يترب عليها من الأجر والثواب في الدار الآخرة، تأمل معي قوله تعالى ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134]، العفو والصفح عن المسيء، وكظم الغيظ عند الغضب، والإحسان إلى المخلوقين هي من أخلاق القرآن التي يجب أن يتحلى بها المسلم.
قد اهتم الإسلام بقضية الأخلاق، وما لها من فضائل وفوائد، وما لها من دور في نشر الفضيلة في المجتمع فمن فضائلها:
إنها أثقل شيء في الميزان، جاء في حديث أبي الدراداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق). وفي رواية: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء).
ومن فضائل الأخلاق الزكية أن صاحبها اقرب الناس إلى حبيب البرية محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّؤونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ، الْمُتَشَدِّقُونَ، الْمُتَفَيْهِقُونَ “. رواه الطبراني في مكارم الأخلاق والترمذي(.
ومن فضائل الأخلاق الكريمة، والآداب المرعية أن صاحبها ومن يتحلى بها يدخل الجنة بسلام، ونعم الحلية لكل من أراد أن يتحلى ويتزين بالأخلاق التي توصل إلى أعالي الجنان، فعن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله وقيل قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله، قد قدم رسول الله ثلاثا، فجئت في الناس لأنظر فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
ومن فضائل الأخلاق الكريمة، والآداب المرعية أن صاحبها محبوب لله:روى الطبراني: ((أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلُقاً)).
إن من الأخلاق الكريمة التي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتحلى بها هو أن يمسك لسانه ويده عن إيذاء المخلوقين، فقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجَر ما نهى الله عنه))؛ فصلاح أمرك للأخلاق مرجعه… فقوم النفس بالأخلاق تستقم
واعلم أيها الحبيب :
أن كل الأمور تزول عنك وتنقضى .. إلا الثناء فإنه لك باق
ولو أننى خيرت كل فضيلة.. مااخترت غير مكارم الأخلاق
فاللهم ارزقنا حسن الأخلاق ومكارمها